سورة المزمل - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المزمل)


        


{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)}
{فعصى فِرْعَوْنُ الرسول} المذكور الذي أرسلناه إليه فالتعريف للعهد الذكري والكاف في محل النصب على أنها صفة لمصدر محذوف على تقدير اسميتها أي إرسالًا مثل إرسالنا أو الجار والمجرور في موضع الصفة على تقدير حرفيتها أي إرسالًا كائنًا كما والمعنى أرسلنا إليكم رسولًا {شاهدًا عليكم} [المزمل: 15] فعصيتموه كما أرسلنا إلى فرعون رسولًا فعصاه وفي إعادة فرعون والرسول مظهرين تفظيع لشأن عصيانه وأن ذلك لكونه عصيان الرسول لا لكونه عصيان موسى وفيه أن عصيان المخاطبين أفظع وأدخل في الذم إذ زاد جل وعلا لهذا الرسول وصفًا آخر أعني شاهدًا عليكم وأدمج فيه أنهم لو آمنوا كانت الشهادة لهم وقوله تعالى: {فأخذناه أَخْذًا وَبِيلًا} أي ثقيلًا رديء العقبى من قولهم كلأ وبيل وخم لا يستمرأ لثقله والوبيل أيضًا العصا الضخمة ومنه الوابل للمطر العظيم قطره خارج عن التشبيه جيء به لإيذان المخاطبين بأنهم مأخوذون ثل ذلك وأشد وأشد وقوله تعالى:


{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)}
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الولدان شِيبًا} مراتب على الإرسال فالعصيان ويومًا مفعول به لتتقون ما بتقدير مضاف أي عذاب أو هول يوم أبو بدونه إلا أن المعنى عليه وضمير يجعل لليوم والجملة صفته والإسناد مجازي وقال بعض الضمير لله تعالى والإسناد حقيقي والجملة صفة محذوفة الرابط أي يجعل فيه كما في قوله تعالى: {واتقوا يَوْمًا لاَّ يجزى نَفْسٌ} [البقرة: 48] وكان ظاهر الترتيب أن يقدم على قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا} [المزمل: 15] إلا أنه أخر إلى هنا زيادة على زيادة في التهويل فكأنه قيل هبوا أنكم لا تؤخذون في الدنيا أخذة فرعون واضرابه فكيف تقون أنفسكم هول القيامة وما أعد لكم من الأنكال إن دمتم على ما أنتم عليه ومتم في الكفر وفي قوله سبحانه إن كفرتم وتقديره تقدير مشكوك في وجوده ما ينبه على أنه لا ينبغي أن يبقى مع إرسال هذا الرسول لأحد شبهة تبقيه في الكفر فهو النور المبين وجوز أن يكون يومًا ظرفًا لتتقون على معنى فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا والكلام حينئذ للحث على الإقلاع من الكفر والتحذير عن مثل عاقبة آل فرعون قبل أن لا ينفع الندم وجوز أيضًا أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم والمعنى فكيف يرجى إقلاعكم عن الكفر واتقاء الله تعالى وخشيته وأنتم جاحدون يوم الجزاء كأنه لما قيل {يوم ترجف} [المزمل: 14] عقب بقوله تعالى فكيف تتقون الله إن كفرتم به فأعيد ذكر اليوم بصفة أخرى زيادة في التهويل والوجه الأول أولى قاله في الكشف وقال العلامة الطيبي في الوجه الأخير أعني انتصاب يومًا بكفرتم أنه أوفق للتأليف يعني خوفناكم بالأنكال والجحيم وأرسلنا إليكم رسولًا شاهدًا يوم القيامة بكفركم وتكذيبكم وأنذرناكم بما فعلنا بفرعون من العذاب الوبيل والأخذ الثقيل فما نجع فيكم ذلك كله ولا اتقيتم الله تعالى فكيف تتقونه وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء وفيه أن ملاك التقوى والخشية الايمان بيوم القيامة انتهى. ولا يخفى أن جزالة المعنى ترجح الأول وذهب جمع إلى أن الخطاب في {إنا أرسلنا} [المزمل: 15] إليكم عام للأسود والأحمر فالظاهر أنه ليس من الالتفات في شيء وأيًا ما كان فجعل الولدان شيبًا أي شيوخًا جمع أشيب قيل حقيقة فتشيب الصبيان وتبيض شعورهم من شدة يوم القيامة وذلك على ما أخرج ابن المنذر عن ابن مسعود حين يقول الله تعالى لآدم عليه السلام قم فأخرج من ذريتك بعث النار فيقول يا رب لا علم لي إلا ما علمتني فيقول الله عز وجل أخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فيخرجون ويساقون إلى النار سوقًا مقرنين زرقًا كالحين قال ابن مسعود فإذا خرج بعث النار شاب كل وليد وفي حديث الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس نحو ذلك وقيل مثل في شدة الهول من غير أن يكون هناك شيب بالفعل فإنهم يقولون في اليوم الشديد يوم يشيب نواصي الأطفال والأصل في ذلك أن الهموم إذا تفاقمت على المرأ أضعفت قواه وأسرعت فيه الشيب ومن هنا قيل الشيب نوار الهموم وحديث البعث لا يأبى هذا وجوز الزمخشري أن يكون ذلك وصفًا لليوم بالطول وإن الأطفال يبلغون فيه أو أن الشيخوخة والشيب وليس المراد به التقدير الحقيقي بل وصف بالطول فقط على ما تعارفوه وإلا فهو أطول من ذك وأطول فلا اعتراض لكنه مع هذا ليس بذاك والظاهر عموم الولدان وقال السدي هم هنا أولاد الزنا وقيل هم أولاد المشركين وقرأ زيد بن علي يوم بغير تنوين نجعل بالنون فالظرف مضاف إلى جملة نجعل الخ.


{السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)}
{السَّمَاء مُنفَطِرٌ} أي منشق وقرئ متفطر أي متشقق {بِهِ} أي بذلك اليوم والباء للآلة مثلها في قولك فطرت العود بالقدوم فانفطر به يعني أن السماء على عظمها وأحكامها تنفطر بشدة ذلك اليوم وهو له كما ينفطر الشيء بما يفطر به فما ظنك بغيرها من الخلائق وجوز أن يراد السماء مثقلة به الآن أثقالًا يؤدي إلى انفطارها لعظمه عليها وخشيتها من وقوعه كقوله تعالى: {ثَقُلَتْ فِى السموات} [الأعراف: 187] فالكلام من باب التخييل والانفطار كناية عن المبالغة في ثقل ذلك اليوم والمراد إفادة أنه الآن على هذا الوصف والأول أظهر وأوفق لأكثر الآيات وكان الظاهر السماء منفطرة بتأنيث الخبر لأن المشهور أن السماء مؤنثة لكن اعتبر إجراء ذلك على موصوف مذكر فذكر أي شيء منفطر به والنكتة فيه التنبيه على أنه تبدلت حقيقتها وزال عنها اسمها ورسمها ولم يبق منها إلا ما يعبر عنه بالشيء وقال أبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة والكسائي وتبعهم منذر بن سعيد التذكير لتأويل السماء بالسقف وكان النكتة فيه تذكير معنى السقفية والإضلال ليكون أمر الانفطار أدهش وأهول وقال أبو علي الفارسي التقدير ذات انفطار كقولهم امرأة مرضع أي ذات رضاع فجرى على طريق النسب وحكى عنه أيضًا أن هذا من باب الجراد المنتشر والشجر الأخضر وأعجاز نخل منقعر يعني أن السماء من باب اسم الجنس الذي بينه وبين مفرده تاء التأنيث وأن مفرده سماءة واسم الجنس يجوز فيه التذكير والتأنيث فجاء منفطر على التذكير وقال الفراء السماء يعني المظلة تذكر وتؤنث فجاء منفطر على التذكير ومنه قوله الشاعر:
فلو رفع السماء إليه قوما *** لحقنا بالسماء وبالسحاب
وعليه لا حاجة إلى التأويل وإنما تطلب نكتة اعتبار التذكير مع أن الأكثر في الاستعمال اعتبار التأنيث ولعلها ظاهرة لمن له أدنى فهم وحمل الباء في به على الآلة هو الأوفق لتهويل أمر ذلك اليوم وجوز حملها على الظرفية أي السماء منفطر فيه وعود الضمير المجرور على اليوم هو الظاهر الذي عليه الجمهور وقال مجاهد يعود على الله تعالى أي بأمره سبحانه وسلطانه عز وجل فهو عنده كالضمير في قوله تعالى: {كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا} فإنه له تعالى لعلمه من السباق والمصدر مضاف إلى فاعله ويجوز أن يكون لليوم كضمير به عند الجمهور والمصدر مضاف إلى مفعوله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7